كتاب الإنترنت في المغرب
من أجل ثقافة مغربية رقمية تواكب العصر

حوارمع سندباد الصحافة العربية الإعلامي ا 

حوارمع سندباد الصحافة العربية الإعلامي التونسي الصافي سعيد (الجزء الثاني)
نشرت من طرف : ueimarocains ueimarocains  |  في  12:57 م
حوارمع سندباد الصحافة العربية الإعلامي التونسي الصافي سعيد (الجزء الثاني)
حاوره عبده حقي
ـــ الملكية في المغرب دائما وكما يقول عبد الله العروي هي ملكية ذكية بيدها
المبادرة .
ـــ المغرب ينتج ملوكا جبابرة وصوامع عظيمة ولكن ليس هذا هو المغرب فقط. ا
لمغرب ينتج كذلك نخبا أكثرعقلانية مما نراه في بلدان أخرى هو ركن أساسي في هذه
 الأمة العربية وهو شعب ناشط وحركي وديناميكي.
ـــ أنا مطمئن للمغرب لأن لديه تجربة سياسية وتراث سياسي أفضل من جميع البلدان العربية
تقديم :
كيف إستطاع الصحافي التونسي الصافي سعيد أن ينحث لشخصيته كاريزما إعلامية متفردة ونادرة جدا لاترضى إلا بالتحليق بأجنحة المغامرة والحوم عاليا حول مراكزالقرارالعربي . وحين فكرنا في تشريح جسد الأمة العربية ومايعتمل فيه من  ثورات وعصيان مدني بدءا من سيدي بوزيد إلى مجزرة الحولة وحكم المؤبد على حسني مبارك لم نجد صحافيا أقرب إلى نيران المدافع وصخب الشوارع وأدرى بتفجيرالأجوبة العميقة والمقنعة غيرالصافي سعيد .خاض العديد من المعارك الصحفية في أشهرالمنابرالإعلامية العالمية وهوالآن رئيس تحريرمجلة (عرابيا) الورقية والإلكترونية ومجلة (عربيا جيوبوليتيكا) . وأهم من هذا وذاك هوصديق للعديد من الرؤساء العرب منهم من رحلوا ومنهم من ينتظرون … صدرت للدكتورالأديب والصحفي الصافي سعيد عدة روايات منها
 (حدائق الله ) و(كازينو+ ) و(الإغواء الملكي) وآخرها (سنوات البروستاتا) عن هروب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ، كما صدرت له عدة دراسات وتحاليل سياسية من أهمها (المتاهة في القرن الواحد والعشرين ) و(حوارات الثورة) و(خريف العرب البئروالصومعة والجينرال ) و(مثلث الشياطين الإستوائي) و(الحمى 42 ) و(بورقيبة سيرة شبه محرمة )
في هذا الحوارالخاص نحلق مع سندباد الصحافة في سماوات الخارطة العربية لنرى بعين المجهرمايجري على أرضها من تحولات سياسية وجيوإستراتيجية لاشك أنها سوف تعيد في المستقبل القريب ترتيب التوازنات والتحالفات جنوب وشرق المتوسط
 الجزء الثاني
  س: الأدب والصحافة نادرا ما يلتقيان في نهر سردي واحد. من خلال تجربتكم متى يكون النص الابداعي الأدبي وصيفا لنص التحليل السياسي مثلا روايتكم الأخيرة “سنوات البروستاتا” كنموذج؟
ج : أحيانا ما لا نستطيع أن نكتبه في مقال صحفي أو في كتاب سياسي، قد نجعل منه رواية. والحقيقة أن الأحداث السياسية عندما تتداخل وتتشعب تصبح أشكالا روائية. الكتابة الصحفية أوالكتابة الفكرية لديها حدود وهي حدود المصدر والتوثيق الأخلاق والمعلومة الصحيحة وعدم التجنيح أو الطيران بعيدا. في الكتابة الروائية، أنت تخترق كل هذه الحدود وتصبح في طيران حر.
على أي حال الكتابة هي الكتابة. عندما أقرأ النصوص السياسية لتروتسكي أو حتى للعسكريين الألمان ، أجدها مفعمة بالأدب. عندما نقرأ مذكرات مونتغمري أو مذكرات تشرشل أو مذكرات ديغول، نجدها نصوصا مفعمة بالأدب وبالتاريخ وبالاجتماع وبالتحليل وبعلم النفس وبكل جماليات هذه الأصناف. النص السياسي في العالم العربي ظل متكلسا ومتخشبا ويكتب بلغة ثالثة هي لغة البيانات الخطابية. وهذا نابع من أمرين : أولا لأن الجمهور الذي يوجه له هو جمهور ضعيف الاستيعاب. ثانيا السياسي أو كاتب هذا النص هو أساسا يسبح في عالم قديم وفي أفكار قديمة وينقصه الخيال.
الخيال هو الأساس. فالمستقبل هو الخيال. الثورة هي الخيال ومن لا يملك الخيال لا يصنع الثورات. خلال العشر سنوات الأخيرة ،كان الناس دائما يتحدثون عن أن الرئيس بن علي مريض بالبروستاتا. نسجت حوله الكثير من الحكايات. قيل أنه يذهب إلى ألمانيا أسبوعيا وأنه يريد طفلا ذكرا وهو لا ينجب. وقيل أن ليلى حبلت بطفل أنابيب. وهكذا فيما كان المخيال الشعبي ينسج هذه الأساطير، كتبت رواية سنوات البروستاتا. حاولت أن أخترق هذا اللغز المغلق، الذي هو قصر قرطاج عن طريق الرواية.وبخيال يستند على وقائع وعلى أحاسيس وتحسسات، ظهرت وقائع الرواية بعد ذلك عندما فتح هذا اللغز وهرب الديكتاتور  كما لو أنني كنت أعيش معه داخل هذا القصر. أو كما أنني كنت واقفا أراقب بن علي وزوجته وعلاقاته الداخلية والحميمية من وراء ثقب الباب. بدا لي أن ما كتبته أيضا قد لا يرقى إلى الخيال. من هنا نقول أن الواقع أقوى دائما. وعادة ما يكون الواقع أقوى. إن الواقع في تشابكاته هو أقوى من خيال أي شخص.
رواية البروستاتا كتبتها قبل سقوط بن علي بنحو أربع سنوات، ولكني لم أتجرأ على نشرها. فكرت أن أنشرها باسم مستعار لكنني لم أتجرأ لأني خفت أن يذهب أحد إلى بيروت ويسأل عن كاتبها الحقيقي. وأنت تعرف أن هذه الأمور سرعان ما تفيض. وفي الحقيقة فهي رواية مفهومة لا يمكن أن تكون إلا عن بن علي وعن زوجته ليلى. لذلك فضلت التريث، كانت لدي نسخة أودعتها لدى ابني في الخارج. وعندما قامت الثورة أرسل لي النسخة بعد يومين فقط ونشرتها بعد أسبوعين فقط من سقوط بن علي. كنت قد فكرت في عنوان آخر هو “الإثم الجمهوري”. ولكنني رجعت إلى العنوان الأصلي “سنوات البرستاتا.
وفعلا هي سنوات البروستاتا، هي سنوات الجدب والعقم في بلادنا.
س : تعتمد الرواية على البعد السيكولوجي والجنوسي إن لم نقل كل الثالوث المقدس الذي تقاطبت حوله الوقائع والعوامل، مما جعل من الرواية أدب أفكار أكثر منها رواية أحداث تؤرخ لزمن الإطاحة بالديكتاتورية. من هو المتلقي المفترض الذي كنتم تستهدفونه. هل هي النخب المثقفة والسياسية العربية أم العامة من القراء خصوصا وأن الثورة هي قضية كل طبقات الشعب التونسي؟.
ج : الرواية كتبت قبل الثورة.. في الحقيقة كانت نبوءة بذلك السقوط. في هذه الرواية نجد ألغاز العلاقات النسائية والرجالية وعلاقات رجال الأعمال بالسلطة وبالدين وبالمال، علاوة على هذا فهي في إحداثياتها انقلاب داخل انقلاب بن علي الذي  وصل به إلى السلطة. في هذه الرواية هناك من كان يفكر من الانقلاب عليه وهو ينام إلى جانبه. فكما يقول الحسن الثاني الخيانات تتراقص فوق أكتافك”. كان هناك في القصر من يريد أن يخلف بن علي. أولا زوجته وعائلتها. ثانيا الجنرال السرياطي رئيس حرسه. وقد ثبت بالمكشوف في 14 جانفي أن الذي قام بالانقلاب وأسرع وسرّع بخروج بن علي هو الجنرال السرياطي.
الرواية كتبت عن هذا الإنقلاب الخيالي (انقلاب افتراضي داخل الانقلاب)، لا بل رأت أن بن علي وليلى “ليلاه”، بعدما ماتا التقيا في المطهرة بين الجنة والنار وجلسا يتحدثان ويكاشفان أنفسهما. وهذا ما حصل الآن فماذا يفعلان في جدة أو في مكة الآن؟ إنهما بالقرب من الجنة أو من النار يتسامران حول الموت والحياة. إنهما يتكاشفان ويحكيان الحكايات التي لم تكن لتحكى. رواية البروستاتا ما زالت مستمرة.
س : نسأل الآن من هو المتلقي ؟
ج : بطبيعة الحال هي رواية أفكار وسيكولوجيا. تقول لي لمن؟ أقول: لك لقد قرأها الكثير من الناس من مستويات متعددة وتحدثت عنها الكثير من وسائل الاعلام. وقد التقيت بكثير من الناس الذين قرأوا الرواية وأعجبتهم وهم من مستويات متعددة. فيها أفكار وفيها أحداث وفيها جرأة وفيها جنس وفيها بورنوغرافيا.
س : لو طلب منك إعادة كتابة سنوات البروستاتا من جديد ما الذي سيختلف فيها عن النسخة الأولى بعد الأحداث المستجدة في المشهد السياسي التونسي؟. وهل فعلا يعيش راهن الأدب العربي ربيع الرواية بامتياز بعد أن كان الشعر هو ديوان العرب سؤال من شقين؟.
ج : لن أغير منها أي شيء. تلك الرواية أعتبرها سابقة. وأعتبرها، دون ادعاء، نبوءة. فكما توقعت حدث.
أما هل هو ربيع الرواية العربية حاليا بعد أن كان الشعر ديوانهم بامتياز؟ أقول: أنا لا أستطيع أن أسقط في هذه القياسات وهذه الثنائيات أوهذه الأوزان. كل الشعوب في البدايات كانت مدوناتهم الأولى هي الشعر. ماذا نقول في الإغريق أو حتى في الرومان أو حتى في الفرس. الفرس القدامى أو الهنود كان لهم شعراء كبار وملاحم شعرية كبيرة ومسرحيات وغيرها.
اليوم دخل العرب إلى عصر الرواية، لأن الرواية هي نهر الحداثة. ملحمة الرواية بدأت مع الحداثة. بدأت منذ صعود المسيحية في اسبانيا  حركة الإسترجاع. وأول رواية كما نعرف هي لدون كيشوت. ثم بدأ عصر الرواية. الرواية هي انتقلت بمراحل ومدارس وشعوب. كان الروس ذات يوم هم سادة الرواية. الفرنسيون هم أيضا تسيدوا على الرواية. الايطاليون تسيدوا على الرواية. الرواية إذا هي استمرارية، هي جزء من الكيان، هي جزء من الحياة، هي نسج الحياة، هي إطلاق للخيال، هي تركيب لحيوات أخرى محاذية فوقية تحتية خيالية. لذلك نقول أن هناك الرواية السحرية والرواية الواقعية والرواية الخيالية والرواية التاريخية والرواية السيرة الذاتية.
صحيح أننا في العصر الروائي ولكن هل لدينا روائيون كبار؟. أنا لا أعرف. ربما عندنا روائيون كبار. فأول عربي حصل على جائزة نوبل هو روائي وليس عالم كيمياء أو عالم في الطب أو في مجال آخر. سنوات البروستاتا، رواية بلا بطل عندما تقرأها لا تجد فيها بطلا. في الواقع هي مجموعة، لأن البطل انتهى في الرواية. أصبح مجموعة أبطال ولم يعد بطلا واحدا. أصبح كل الذين يتحركون على مساحة الرواية هم أبطال.
كما نشاهد اليوم في الثورات. فالثورة اليوم من هو بطلها؟ من هو قائدها؟. غير موجود. لكن مجموعة من الناس والمتدخلين والمتفاعلين والمشاركين هم كلهم أبطال هذه الثورة. الملاحم لم تعد تصنع بفرد. انتهى عصر الفرد. عصر النجومية انتهى. الرواية الحديثة أنهت عصر البطل.
الشعر كان يمثل عصر الفروسية. فالفارس هو البطل.
من هو شاعر العالم العربي في ذلك الوقت؟ هو شيخ القبيلة أو قائد القبيلة هو الفارس هو المغوار الذي لا تكتمل سلطته حتى ولو كان أميرا إلا إذا كان شاعرا. امرؤ القيس هو أمير وشاعر، أبو فراس الحمداني أمير وشاعر وهلم جرا. إذا لم تكن أنت شاعرا فيجب أن يكون إلى جانبك شاعر لكي تكتمل سلطتك. ولذلك فإن سلطة الشاعر هي سلطة ثقافية.
أستطيع أن أقول أن هذه الأمور انتهت منذ الأربعينات أي مع خروج موجة الشعر الحديث والدخول في حقبة الرواية. الشعر تفتت، ليس بمعنى أنه انتهى ولكن بمعنى أنه انساب مع الحياة. أصبح شيئا آخر وغلافا جويا آخر. لم يعد هو سيفا وسلطة وخطابا. لقد ورثته الرواية وجعلت منه سمادا للغة.
س : نواصل في نفس السياق. من بين كتبك الأكثر جدلا في تونس هو كتاب “بورقيبة سيره شبه محرمة” الذي منع من النشر. من الذي منع هذا الكتاب من أن يكون عملا روائيا، في المقابل من الذي منع روايتك سنوات البروستاتا من أن يكون سيرة ذاتية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي؟
ج : سنوات البروستاتا هو سيرة ذاتية أخرى لبن علي بطريقة روائية. أما كتاب بورقيبة- فهو كتاب بيوغرافيا عن بورقيبة- كتاب تاريخي موثق لكنه مكتوب بطريقة روائية أو بطريقة سينمائية. كتاب بورقيبة كان ممنوعا لأن بن علي لم يكن يسمح بالحديث لا بالسيء ولا بالجيد عن بورقيبة. إذا انتقدناه قيل أن هذا الرجل الذي يحكم  الآن هو حفيده أو ابنه أو وريثه. وإذا تحدثنا عنه بشكل جيد قيل أن  بن علي لا زال هو الحاكم لماذا تتحدثون عن الميت؟. مع ذلك كان لديّ حساب خاص مع بورقيبة لأن كل كتابة في النهاية هي تصفية حساب. فكل كتاب وكل مقال وكل سطر يكتب هو تصفية حساب مع عدو مع إشكالية مع فكرة مع شخص مع تاريخ أو مع حقبة.؟
أنا كان عندي حساب مع بورقيبة. أولا أنا تألمت كثيرا في عصر بورقيبة وتضررت وهاجرت وحوكمت بالإعدام غيابيا وكنت ممنوعا من أي شي. وعندما كتب الكتاب تعرضت للهسكلة وللتعذيب النفسي. كل يوم كنت أذهب إلى الشرطة لأوقّع في دفتر الحضور. وكل يوم يسألونك ماذا تكتب ولماذا؟. وحين تشجعت ونشرته لم يكلمني أحد. أدركت آنذاك أن السلطة العربية تحكم بالتخويف. فهي لا تملك دائما أدوات الخوف أو أدوات المواجهة أو حق العقاب فهي تحكم بالتخويف. هي تخيفك ترعبك ترهبك نفسانيا لكي لا تتقدم خطوة. عندما نشرت الكتاب انتهى الإرهاب!.
س : السؤال الذي يتبادر إلى قرائك في الوطن هو أننا نعرفك صحافيا، ناشطا ومتفردا في البحث عن المعلومة كيف تظفر بها؟ أمن خبرتك وتجربتك الصحفية الطويلة والوازنة أم من ايمانك بكون الوصول إلى المعلومة حق تكفله المواثيق الدولية أم من دهاء سياسي خاص؟
ج : في العمل الصحفي يجب أن تكون لك بالأساس ثقافة عامة وشمولية وتراكمية. بعد ذلك يجب أن تكون لك زاوية رؤية. فأنت مثل المخرج السينمائي. الثقافة هي التي تشكل لك زاوية رؤية. المعلومة تسندها. بل يجب أن تكون لديك معلومات فأنت لا تستطيع أن تكتب مقالا صحفيا قائما على الإنشاء أو على الأسلوب الجميل أو العبارات الحلوة فقط.
لا بد أن تكون لديك طريقة لسرد المعلومة ولإقناع القارئ بروايتها تغليفها بالثقافة لتأصيلها. هذا ما كنت دائما أريد أن أتميّز به. استمعت إلى أساتذة كبار وأنا في بداياتي. “بأنك لا تستطيع أن تكتب أي خبر من خمسة سطور دون أن تكون تملك على الأقل في ذهنك أربعة أو خمسة معلومات أساسية”. كمثال عندما تسمع بانقلاب حدث في التشاد أو في الأرجنتين وأنت تعمل في صحيفة يومية وتريد أن تحرّر خبرا عن ذلك الانقلاب يجب أن تعرف على الأقل ثلاثة تواريخ عن الأرجنتين وتعرف ثلاثة أسماء فاعلين في الأرجنتين.
وتكون لديك على الأقل ثلاثة أو أربعة معلومات جغرافية عن الأرجنتين. آنذاك تستطيع أن تصوغ الخبر ثم تأتي زاوية الرؤية أو الاتجاه.
هذه الكيفية عند تحرير أي خبر صغير هي التي تمنحك شحنة دائمة وأبدية في أنك عندما تريد كتابة مقال أو تحقيق أو روبورتاج أو تحليل أو حوار مع شخص، يجب أن تكون مسلحا بمعلومات وبزاوية رؤية وبثقافة. بعد ذلك يأتي الأسلوب أحيانا أنت تملك معلومات مثلي مثلك لأن المعلومة في متناول الجميع في بعض ا لمرات. لكن أنت لديك أسلوب وأنا لديّ أسلوب لعرضها.
قد يكون أسلوبي أكثر مرونة وأكثر حراكا وأكثر اقناعا. إن مخاطبة العقل الوجدان هي منطقة الصحافة الناجحة. فالصحفي يسكن في المنطقة بين العقل والوجدان.
س : تعرف أن الإعلام بجميع وسائطه يمر بحرية رأي غير مسبوقة في تونس أيقظت الكثير من خلايا الأسئلة النائمة والإشكاليات الإيديولوجية الراكدة منذ الاستقلال، فما رأيكم كصحفي تونسي بما يعرفه اليوم المشهد الإعلامي من طفرة هيكلية موضوعية ملحوظة أم أنها ما زالت مسيسة بعقلية الرقيب المتعدد الأقنعة والمرجعيات السلفية؟
ج : أستطيع أن أؤكد، بمعايشتي لتونس خلال هذا العام والنصف ما بعد الثورة، أنه لا توجد أي رقابة في تونس. ولم يحدث في هذا التاريخ ولا في هذه المعمورة التي نعرفها أن وجدت حرية صحافة كما توجد اليوم في تونس إلى حد أن هناك فوضى إعلامية أو تخمة حريات بأتم معنى الكلمة.
ما ينقص الصحافة التونسية هو المعلومة الصحيحة والمصدر والتوثيق والثقافة والذهاب إلى الهدف والجرأة والكتابة والأسلوب. الصحافة التونسية لا زالت ضعيفة جدا وركيكة جدا ومراقبة بذاتها. أنا دائما كنت أقول أن الصحافي الجيد لا يخاف الرقابة لأن لا أحد يستطيع أن يراقبه لأنه هو الرقابة العليا. وهو لا يحتاج إلى جمعية أو نقابة لكي تدافع عنه لأنه هو الذي يدافع عن المجتمع. وهو الذي يدافع عن حرية الإعلام وعن الحريات العامة ككل. إذا وجدت صحافة ضعيفة في بلد ما فإنها تكثر من تأسيس النقابات والجمعيات. هذه مميزات الصحافة الضعيفة في أي بلد. فالعجز المهني غالبا ما يستبدل بنزعة الشكوى أو التشكي من الرقابات!.
لا أحد يمنعك أن كتبت عن شكسبير أو عن المسرح أو عن السينما الطلائعية أو انتقدت الصهيونية أو تحدثت عن الديمقراطية في السينغال أو انتقدت المغرب أو تصفحت كتابا عن الحسن الثاني أو عن بوتفليقة أو ترجمت هذا النص أو ذاك. لا أحد يمنعك أن تكتب اليوم عن المرزوقي أو عن راشد الغنوشي أو عن أي شيء بأي شكل. المهم أن تكتب شيئا جيدا ومفيدا أو جديدا وحديثا نستطيع أن نتمتع به.
أنا عندما قابلت المرزوقي وذهبت إليه لأجري معه حوارا قلت ما أريد قوله إذ خرجت غاضبا من القصر وعبرت عن هذا الغضب خلال المقال وقلت يبدو أن رئيسنا ضائع وأنه غير متمكن وأنه ما زال ضبابيا ومتذبذبا، وأن هذا القصر بارد. فلا يوجد فيه لا بروتوكول ولا قهوة ولا شاي ولا حراسة ولا شيء وهو نوع من الشعبويات التي لا تمت بصلة إلى الثورة. فالذي يفكر في بيع قصور الجمهورية هو بلا شك لا يعرف تاريخ الدول. ونحن لا نملك قصورا بدليل أن قصر قرطاج لا يساوي فيلا جيدة في المغرب أو في القاهرة.
أهديت للمرزوقي عندما كنت خارجا كتاب البروستاتا. ولما قرأه بعث لي برسالة شكر فقال حرفيا : “أنا استمتعت كما لم أستمتع في أي يوم بقراءة رواية سنوات البروستاتا خاصة وأنها تروي أحداثا وقعت فوق هذا الفراش الذي أنام عليه.
س : كنت من الصحافيين الأصدقاء للعقيد معمر القذافي، فكيف كان شعورك وأنت تتابع نهايته في ذلك المشهد التراجيدي، ثم هل ترى أن ليبيا قد أضاعت بسبب القذافي أربعة عقود؟.
ج : المشهد الذي انتهى إليه معمر القذافي غير لائق بالبشرية ولا هو لائق بمعمر القذافي. لقد سئلت مرة في ليبيا كيف ترى القذافي الآن؟، وكان وقتها القذافي راجعا من الأمم المتحدة، وقد قام بخطابه المثير هناك ومزّق ميثاق الأمم المتحدة ورماه وراءه وقال أن هذا الميثاق استعماري كتبته دول استعمارية لحكم الشعوب، فقلت :” أن معمر القذافي أنهى اليوم دورته السياسية وعليه أن يبقى عاليا وبعيدا ويسلّم المسؤولية لجيل آخر.
كان في اعتقادي وكما قال فوكوياما إن نهاية التاريخ ليست هي نهاية الدنيا أو هي القيامة .نهاية التاريخ هي نهاية الدورة. فلكل شخص دورة. وكل حقبة لها دورة. وكل دولة لها دورة. القذافي لم يفهم أن دورته انتهت بعد خطاب الأمم المتحدة. كان يمكن آنذاك عام 2008 أن يسلم الحكم ويبقى بعيدا. معمر القذافي أول واحد أرغم الاستعمار على الاعتذار للشعب الليبي. ثم يأتي من بعده ما يسمى بالمجلس الانتقالي ويقول اليوم “نعتذر لايطاليا لأنها أرغمها القذافي على الاعتذار للشعب الليبي. فعلا هذه مهزلة! إن شيطنة التاريخ تبدأ مع المهرّجين.
 عندما نجلس إلى رئيس أو إلى حاكم فهذا لا يعني أننا نستجديه أو نمدحه أو نكيل له المديح. فلديه الملايين من الذين يفعلون له ذلك. وإذا كان لأحد قليل من الذكاء فإنه لا يستطيع أن يدخل في سباق مع ملايين تكيل المديح. أنت ماذا ستحقق. لا شيء أمام هؤلاء الذين يطبلون ويمدحون ويبندرون. فعندما نجلس معه أو مع غيره نحاول أن نقول ما نفكر فيه ولو بطريقة هادئة لتبليغ فكرتنا. أنا كان دائما لديّ رأي. فقد كتبت كتاب “السنوات المدنسة في الشرق الأوسط”وقد شتمت فيه السلام ثم أهديت نسخة منه إلى عرفات.  وفي لقاء آخر قال لي “كتابك جيد وقاس جدا.
هيكل عندما كان يجلس مع عبد الناصر لم يكن يقول له الأشياء الجيدة. روجيس دوبري عندما جلس مع ميترون فهل معنى ذلك أنه كان يتلقى أوامر من ميتران؟. غيفارا عندما يجلس إلى بن بلة أو إلى عبد الناصر أو غيره.. من هم أصدقاء كاسترو؟ ، هذا الديكتاتور حسب الغرب؟ هم اليوسا الروائي الشهير ودوبري  المثقف الشهير ماركيز الروائي الكبير.
كل أصحابه مثقفون. فإذا لم يستمع السياسي إلى المثقفين فماذا يفعل؟. ديغول كان أكبر صديق له هو مالريو. أحيانا لا يملك حزبا ولا كنيسة تحميه ولا جمعية ولا حماية دولية.
فليس لديه إلا شخصيته وجرأته. فعندما يقول ديغول عام 68 كيف تريدونني أن أسجن سارتر؟. هذه الكلمة هي مفتاح القوة عندما يدرك معناها المثقف. فهي كلمة مفتاح مهما كان السياسي ديكتاتوريا. لقد قابلت راشد الغنوشي مؤخرا أكثر من مرة فهل أجلس معه لطلب منصب أو منحة. أنا أقول للغنوشي كل ما أفكر فيه بكل أخوة وبكل محبة. وهو يتقبل ذلك بسعة صدر فهو فعلا ديمقراطي ولين ولبق.
إذن ما حدث لمعمر القذافي غير لائق. والذاكرة العربية مثقوبة. فهي لا تتذكر من معمر القذافي إلا بعض الكتائب والدبابات. لا تتذكر إنه خلال الأربعين سنة هو الذي أخرج القواعد الأمريكية وهو من حرر النفط الليبي وهو الذي حاول أن يبني تجربة حكم جديدة حتى وإن كانت وهمية. فاليسار كله وهمي من زاوية ما. وتجربة الاتحاد السوفياتي كانت وهمية في الواقع بحسابات اليوم. أيضا التجربة الاشتراكية في القرن العشرين كانت كلها وهمية وطوباوية بحسابات اليوم. فهل إذا فشل  زاباتا في المكسيك نندد به. وإذا فشل اليوم تشافيز في فنزويلا نندد به أو نجعل منه مجرما؟. وهل إذا تروسكي فشل نندد به ونقول أنه دكتاتور الجيش الأحمر. هذه المحاسبات أو هذه المحاكمات الوقتية المتلفزة، المحاكمات الهاتفية، محاكمات الجمعيات الغامضة والمتداخلة مع الكواليس والكنائس المغلقة أنا لا أحبها ولا أريدها.
س : أنت من الأصدقاء الأقرباء للمغرب، فكيف تقيّم الحراك الديمقراطي الذي تعيشه المملكة؟ على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي؟
ج : أنا أحب المغرب. وأقول دائما أنّ المغرب ينتج ملوكا جبابرة وصوامع عظيمة ولكن ليس هذا هو المغرب فقط. المغرب ينتج كذلك نخبا أكثر عقلانية مما نراه في بلدان أخرى هو ركن أساسي في هذه الأمة العربية وهو شعب ناشط وحركي وديناميكي. شعب له إمكانياته وإبداعاته. وأنا مطمئن للمغرب لأن لديه تجربة سياسية وتراث سياسي أفضل من جميع البلدان العربية. وحسب تقديري ومعرفتي فهو أفضل حتى من مصر، لأن الحراك السياسي حتى وإن كان متعثرا إلا أنه استمر منذ الاستقلال.
تونس كان من الممكن أن تكون مثل المغرب. عندما جاء الاستقلال كان الزعيم بورقيبة يشبه الزعيم علالة الفاسي. بالنسبة لتونس انقلب بورقيبة على الملكية وأدخلنا في طاغوت ما يسمى بالجمهورية. لكن المغرب استمر رغم تعثراته وصعوباته وتعقيداته بملوكه الجبابرة خاصة في عهد الحسن الثاني، إلا أنه استطاع أن يبني مؤسسات ويبني مجتمعا مدنيا ويقيم مسافات ومقاربات أخرى جديدة. المغرب كما أراه أكثر نضجا أكثر عقلانية. وعندما أستمع الآن إلى عبد الله العروي يقول أنّ “الملكية متقدمة كثيرا عن الشارع.
أجدها نظرة فيها الكثير من الصواب. فعندما نقول هذا فإنه ليس مديحا للملكية ولكن هو ما يجب أن تكونه كل السلطات العربية. وهو أن تأخذ المبادرة حتى لا تصبح مركونة في الركن الخلفي من البيت.

Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement